على مائدةِ العالمِ ألفُ صنفٍ من الاغتراب، فهناك اغتِرابُ الروحِ واغترابُ الفكرِ واغترابُ الجسد، وفي وسطِ المائدةِ يوضَعُ سيدُ الحَفل، في وسطِ المائدةِ يكونُ اغترابُ القلب، فكم من قُلوبٍ تغَرَّبَت عن أشباهها وهي في ريعانِ الحُب. طائِرُ الذكرى يُطارِدُنا ليَنقُرَ رؤوسَنا بتساؤلاتٍ عقيمة، يعودُ بنا إلى ذلك الشارعِ الذي ترَكنا فيهِ أرواحَنا من قبل. بيتٌ من الطِرازِ القديم، تفوحُ منهُ رائحةُ المُعَجَّناتِ فتملأهُ بالدفء، ويتَسَلَّقُ صدى الضَحِكات الجُدران. أين جُسورُ الأمانِ التي كانت مَمدودةً بيننا؟ لماذا جاءَ جيشُ المسافاتِ ليَغتالَ القُرب؟ إلى أينَ تبَخَّرَت رائحةُ الخُبز وإلى أي وجهةٍ غادرَت الأوطان؟ لماذا لم نسمع صفيرَ القهوةِ عند غلَيانها؟ لماذا هربَت الطُرُقُ لتتركَ أقدامَنا في حيرة؟ ولماذا تَعِبَت الموسيقى فحلَّ الصَمتُ ليَنوبَ عنها؟ في ثَنايا هذا الكتابِ سأتكَلَّمُ بصوتِ أولئكَ الغُرباء، سأستجوِبُ الواقعَ الذي سيرتَعِشُ أمامي على كُرسي المواجهة. سأوقِظُ تلك المشاعرَ المُخَدَّرةَ في أعماقكم المهجورة، وسأروي لكم قصّةَ هذا العالَمِ كما أشاهدهُ من نافِذَتي الصغيرة. لطالَما نادَتني الغُربةُ لأكتُبَ عنها ولها، فاختَرتُ أن ألتقطَ لها صورةً لأدُسَّها بين هذه الصفَحات.
عن الكاتبة مينا راضي
مينا بشير راضي، كاتبة شابّة في الثالث و العشرين من عمرِها، تنظُر إلى الحياة على أنها نافِذة كبيرة للوَعي، أو مكتَبة كبيرة. مُغتربة صنعَت من غُربتها كتابها الأول (قلم مُغتَرِب) مُقيمة في كندا و درسَت في جامعة ويسترن الكنَدية، و هي أخصّائية تَغذية و مُسوِّقة و رائدة أعمال طموحة، و ناشِطة ثَقافية و مُقدِّمة البرنامج الأسبوعي(بالعربي الفَصيح) على قناة كنار العربية الكندية على منَصّات التواصل الاجتماعي. مينا هي عُضوة في المركز الثَقافي العربي في كندا، و تكتُب لعدّة صحُف و مجلات معروفة مثل جريدة النهار و الحقيقة و أوروك و العراق الإخبارية و الراي المصرية و مصر اليوم و الجريدة العراقية الأسترالية و الرسالة الكندية.
التصنيفات: إصدارات ببلومانيا, نصوص